من الرفق و الوفاء بالحق ما لا يتعلم و لا يكتسب بالسن بل بالهمة
مثال سوء رعاية شيخ لطفل في الطريق
10 سبتمبر 2017
شاهدت يوما في شارع شيخا يبدو في الستين من العمر و عصريا، صفاقسي المظهر و موسرا حسب مظهره العام و لكنه يلبس جلبابا و طاقية على نمط معتاد لدى بعض الفرق الدينية او الدعوية و ان اصبح موضة الى حد ما.
الشيخ ماسك يد طفل لا يتجاوز عمره الاربع سنوات و هما يسيران على الرصيف.
الشيخ يسير باعتدال دون اسراع. و لكن لقصر ساقي الطفل ، تبعا لقصر قامته، يحتاج الولد للخطو خطوتين لمتابعة كل خطوة من مرافقه.
الرجل طويل القامة، بما يعني أن خطوته اطول من العادي. كما يعني ذلك ان الطفل القصير يحتاج لرفع كتفه و ذراعه الى أقصى حد كي يتمكن مُرافقه من مسك يده الصغيرة و السير منتصب القامة (وهو ما يفعله الشيخ فعلا دون تفكير.)
هذا الوضع يجعل الولد يسير مشدود الذراع و القامة غصبا عنه طيلة مدة السير، مما يسلط شَدّا قويا على عظامه و مفاصله الطرية و يمنعه من انحناء ظهره كما يتطلبه حاجته للاسراع في السير (فكما نعرف ان الخطو السريع و الجري غير ممكنان بدون الانحناء للامام). كما ان ضآلة الكف الصغيرة و كبر يد الرجل البالغ تجعله مضطرا للامساك ايضا بالمعصم و طرف الذراع، مما يزيد من الشد على قامة الطفل. )
عند موضع معين احتاج الرفيقان الى النزول من الرصيف الى المعبد (لوجود اعمدة انارة مع لافتة اشهارية تسد الممر الضيق على الرصيف، ربما وافق على انتصابها احد عديمي الروية من هذه النوعية). و الشيخ، او رئيس القافلة، يبدو رياضيا و لا يتردد في النزول، لدرجةلم نتوقع نزوله للمعبد حتى نزل. و لكن لا ننسى ان ارتفاع الرصيف يساوي تقريبا طول ساق الطفل و ثلث طول قامته. اي ان اتباعه الاضطراري لخط سير الشيخ، و هو شبه معلق من كتفه، و نزوله بقفزة مفاجئة (نكرر:بالنسبة له هو في عمره و حجمه المخصوص:من ارتفاع يساوي ثلث قامته، مع حاجته فورا للاتيان بخطوة ثانية فور ملامسة المعبد) يمثل شدا إضافيا مفاجئا على ذراعه و رجة شديدة لكامل جسمه و مفاصله و عموده الفقري خاصة. كما انه غير قادد و الحال ان الشيخ ماسك له و لا يتفطن لحاله و هو لا يحسن التعبير بعد ، على الانحناء لتحقيق التوازن وتخفيف الضغط عن ظهره و تلطيف السقطة و مباطأة سيره قبل النزول بلطف من الرصيف (هذا ان تفطن لنية النزول في ظل هذه الرحلة الرائقة! ).
كل هذا و الشيخ سائر بكل نشاط ، و لم يفكر طيلة مسير حوالي 500 متر ان ذراع الولد المرفوعة و المشدودة قد تتعب و تحتاج للراحة بأن يمسكه من اليد الاخرى ، او ان ساقيه وعموده الفقري قد تتعب من الركض الى جانبه بذلك النسق السريع في تلك العاطفية و علما انها قد تكون تلك اول جولة للطفل في الشارع و انه قد يكون منبهرا بما يرى او غير قادر بعد على الكلام فلا يستطيع ان يعبر عن الالم و الشكوى.
قد يكون ما أَحَسه الطفل امرا ذاتيا و اعتبارات وجدانية عاطفية. يحتمل ايضا ان حديثنا عنه تحليل ذاتي و احكام حسية معيارية و خبرية. و لو اني شخصيا طبعا لا ارى ذلك. لكن الاهم هو السؤال التالي: إن كان هذا الشيخ لم يحس بما يعانيه طفل صغير تحت مسؤوليته، و اذا كان من يرعى طفلا في الشارع المليء بالاخطار هو –صدفة؟ قصدا؟– من الرقدة الغافلين، و الأرجح انه قريب له وكما قلنا هو رجل مسن يُتوقع فيه ، من حيث فئته العمرية و انتمائه المظهري على الاقل، أن يكون جالسا على خزانة من الخبرة و الحنكة و الحكمة و البصيرة و البديهة و العاطفة الانسانية و الرفق بالضعيف و ذي الرحم .. نقول ان كان كذلك فهل اذَا أمسك زمام الامور في مؤسسة اقتصادية او ادارية او هيئة عمومية ... سيميز بين النافع و الضار و الغث و السمين في الامور المعقدة؟
لاحظ هنا ان الأم تميل على الجانب لتتمكن من امساك يد الطفل.
ملاحظة: هاتان الصورتان من الانترنت اخترناهما جزافا لتجسيم الوضعية التي رأيناها.
كتب 19 سبتمبر 2017